عبد العزيز
الثعالبي علم من أعلام تونس الخضراء ، وكم في تونس من أعلام ، وكم ظهر فيها
من رجال عظام منذ الفتح الإسلامي إلى يوم الناس هذا ، ولئن نكبت في
هذا الزمان فإن فجرها قادم بإذن الله تعالى ، وضياءها
منتشر عما قريب ، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً.
عبد العزيز الثعالبي ولد فى 15 شعبان 1293 هـ= 5 سبتمبر 1876 م وتوفى فى أول أكتوبر 1944 م،وهو زعيم تونسي
سياسي وديني. من القليلين الذين دمجوا بين العمل السياسي والديني، وبين المحلي
والإقليمي والعالمي في عملهم؛ للتخلص من الاحتلال الفرنسى وظلمه والرفعة بالمجتمع
والرقي به في الوقت ذاته.فقد كان في تونس قطبا ومناضلا بارزا ضد الاحتلال الفرنسي أولا وضد أعداء الدين الإسلامي ثانيا، فهو كما يوصف بأنه داعية الإصلاح والتجديد والمقاومة ما جعله عرضة للنفي والترحال في سبيل دعوته ومبادئه.
ولد عبد العزيز الثعالبي في مدينة تونس بالجمهورية التونسية. جده عبد الرحمن الثعالبي المجاهد الجزائري الذي هاجر إلى تونس رافضا العمل مع الفرنسيين الذين كانوا قد احتلوا الجزائر آنذاك. درس عبد العزيز في تونس. وبعد أن نال الشهادة الابتدائية التحق بجامع الزيتونة وتخرج حاملا شهادة التطويع وتابع بعد ذلك دراساته العليا في المدرسة الخلدونية انضم الثعالبي في مطلع شبابه إلى حزب تحرير تونس من الاحتلال الفرنسي وكتب في الصحف داعيا إلى الاستقلال والحرية. ثم اصدر صحف (المنتظر) و(المبشر) و(سبيل الرشاد). وقد عطلتها السلطات الفرنسية كلها لجرأة محررها ومقاومته للاستعمار. انشأ الثعالبي الحزب الوطني الإسلامي الذي كان يدعو إلى تحرير العالم العربي كله وقيام الوحدة الشاملة.
فر الثعالبي إلى طرابلس الغرب ثم غادرها إلى بنغازي ومن هناك سافر إلى الأستانة حيث اتصل بأقطاب الحكم العثماني يباحثهم في القضية التونسية. سافر بعدها إلى مصر للغرض نفسه وعاد بعد اربع سنوات من التنقل في المشرق إلى تونس حيث بدأ صفحة جديدة من الدعوة والإصلاح والتجديد السياسي والديني مما اغضب السلطات التونسية والفرنسية ورجال الدين على السواء وبما أدى إلى سجنه. ألف الثعالبي بعد خروجه من السجن كتابه (الروح الحرة للقرآن) واشترك مع علي باش حانبة في اصدار جريدة (التونسي) (1904) التي حملت لواء يقظة العرب وتحريرهم.
سافر إلى باريس بعيد الحرب العالمية الأولى مفوضا من أبناء بلاده للدفاع عن استقلال تونس امام مؤتمر الصلح والتقى هناك بسعد زغلول والملك فيصل ونسق معهم العمل على تحرير البلدان العربية واستقلالها. فاعتقلته السلطات الفرنسية واعادته إلى تونس حيث امضى في السجن ثمانية أشهر (1921). ويوم خروجه كانت الجماهير التونسية تستقبله في الشوارع متظاهرة ملتفة حوله. قرر الثعالبي سنة 1923 مغادرة تونس بعد أن عانى من الضغط الفرنسي فسافر إلى فلسطين حيث استقر في القدس. فاستقبله الحاج محمد أمين الحسيني وكلفه بتحضير المؤتمر الإسلامي الذي انعقد سنة 1932 فوضع نظامه وسهر على تنفيذه.
رجع الثعالبي إلى تونس عام 1937 حيث وجد الجو السياسي قد تبدل بعد أن وضع الحبيب بورقيبة يده على الحزب الدستوري الذي كان الثعالبي أول الداعين إلى تأسيسه وانحسار الموجة الشعبية التي كان يتمتع بها ثانيا. توفي الثعالبي في تونس منهيا حقبة بارزة من الصراع مع قوى الاحتلال وقوة التحرر والقوى المناهضة للتجدد السياسي والديني.
إنه مجاهد كبير، وعلم من أعلام الوطنية والإصلاح، وداعية من أبرز الدعاة إلى العروبة والإسلام في عصره الذي تميز بظهور عدد من العمالقة الذين وقفوا في وجه الطوفان القادم مع الاحتلال الغربي، احتلالاً للبلاد، وتشويهاً لقيم العروبة والإسلام، وتدميراً للنفوس بتدمير أخلاقها، وغزواً ثقافياً عمل على تخريب المجتمعات العربية والإسلامية، بإحلال قيم مكان قيم، ونهب الثروات، وإفقار الناس..
أهم أعمال الثعالبي رحمه الله تعالى :
أولاً : فضح مخططات الفرنسيين وادعاءاتهم الباطلة :
فقد
وقف عقبة كأداء أمام مؤامرة تجنيس فرنسا للتونسيين بعد الحرب العالمية
الأولى ، وظل يكتب في الصحف المصرية وغيرها مفنداً هذا الأمر ومبيناً
خطورته.
- وقد استطاع أن يظهر بوضوح أن تونس قبل الاحتلال الفرنسي كانت تملك مقومات النهضة وقد
قطعت خطوات مهمة في ذلك الطريق فجاء الفرنسيون ليهدموا كل ذلك ، وليس
الأمر على العكس الذي يريده الفرنسيون ويذيعونه ، وقد نشر في ذلك مقالات
جيدة.
- فضح المخططات التنصيرية الفرنسية ، وكشف زيف ادعاءاتهم بأن مسلمي شمال إفريقيا كانوا نصارى ثم دخلوا في الإسلام ، وبين أن هذا غير صحيح تاريخياً ، وبين أيضاً أن ادعاء الفرنسيين أن أهل شمال إفريقيا من أصل غربي ادعاء عار عن الصحة.
- بين كيف استولى الفرنسيون على خيرات تونس فذكر
أن مساحة تونس تبلغ 9 ملايين هكتار – والهكتار ألف متر مربع – منها مليون
هكتار أراض جبلية ، ومليون ونصف المليون غابات وأحراش ، ومليون غير صالح
للزراعة ، وهناك خمسة ملايين ونصف المليون أراض صالحة للزراعة استولى
الفرنسيون على أكثرها ، واستولوا كذلك على مناجم الفوسفات والرصاص و الحديد
والفحم الحجري وغير ذلك.
- أراد
الفرنسيون كتابة تاريخ تونس باللهجة العامية ، واعتمادها لغة رسمية
للتعليم والخطابات الرسمية ، وكان الثعالبي وراء إفشال هذا المشروع ومشروع
آخر له صلة به وهو إصدار معجم اللغة العامية ، وكانت جهوده تلك من خلال
كتابته المقالات الكثيرة ضد هذه المشاريع في صحيفة (التونسي).
- كشف
عوار سياسة التعليم الفرنسية ، وبين أنها ترمي إلى إيجاد أيد عاملة وليس
عقولاً مدبرة ، وأوضح أيضاً كيف عملت فرنسا على محاربة اللغة العربية
والدراسات الإسلامية والتاريخية ، وهذا الذي أزعج فرنسا فأخرجته من تونس
وضيقت عليه خارجها ، وقد أوضح كل هذا وغيره في كتابه (تونس الشهيدة) الذي
نشره بالفرنسية ثم عُرّب بعد ذلك ، وعدت فرنسا كل من يقرأ الكتاب عدواً لها
، وجعلت من قراءته جُنحة يعاقب عليها.
ثانياً : الدراسات التي قام بها عن المسلمين في أقطار كثيرة :
كان
الثعالبي قد ارتحل طويلاً ، وجال في بلاد كثيرة ، وهذا ساعده على أن يقف
على أحوال المسلمين في بلاد عديدة ، وكتب كل ذلك بالتفصيل ، وإني لأعجب من
مثقفينا وذوي الرأي منا كيف لم يستفيدوا من تلك الكتابات ومن ثم يبنون
عليها ويطورونها ، فمن جهوده في بيان أحوال المسلمين وأوضاعهم :
- التقى عشرات من زعماء المسلمين وكبارهم ومثقفيهم وأعلامهم ، واقترح عليهم أموراً من شأنها أن ترتقي بالمسلمين ، وقد قابل زعماء منهم الملك عبد العزيز والإمام يحيى ، والنحاس باشا في مصر.
- وصف أحوال الخليج العربي العلمية والثقافية في مسقط ودبي والبحرين والكويت ، وبين
أن تجارة اللؤلؤ تجلب الرزق الوفير لأهل الخليج لكنهم لا يستفيدون من ذلك
المال حق الاستفادة في عمل مشاريع في البلاد إنما يودعونه في المصارف
الهندية ، وقد ذكر الأستاذ عبد العزيز الرشيد في (تاريخ الكويت) أنباء
الاحتفالات به وما أنشد من القصائد ابتهاجاً بقدومه إلى الكويت.
- وتحدث عن اليمن وأحوالها الاقتصادية ، وبين أنها بلاد ذات حضارة ومدنية ووصف ما رآه فيها وصفاً جيداً.
- وبين أحوال المسلمين في الهند ، وكيف
انتشر الإسلام هناك بدون دعوة مخطط لها أو حركة قوية من المسلمين ، وقد
قدم تقريراً عن مسألة المنبوذين في الهند إلى رئيس المؤتمر الإسلامي محمد
أمين الحسيني وكان تقريراً جليلاً مفصلاً غاية التفصيل وبين فيه رغبة
المنبوذين في اعتناق الإسلام ، وقد بين في تقريره حقيقة تخفى على أكثر
المسلمين إلى يومنا هذا ألا وهي أن حركة الاستقلال في الهند كانت بيد زعماء
المسلمين وهم الذين ابتداؤها إلى أن خطفها غاندي منهم ثم نسبت إليه !!
- وذكر أحوال المسلمين - على هذا المنوال - في مناطق كثيرة ، واقترح اقتراحات عديدة اقتصادية وسياسية وثقافية
مؤلفاته :
للثعالبي كتب
قليلة ومقالات كثيرة ، وكتابته بليغة مؤثرة كخطابته، وقد ألف بالفرنسية
(روح القرآن الحرة) وألّف (تونس الشهيدة) ، وألف بالعربية (معجز محمد رسول
الله) صلى الله عليه وسلم وله مئات المقالات بالعربية والفرنسية لا أدري ما
حالها اليوم وهل جمعت أولا ؟ وله محاضرات مطبوعة في مجلة جامعة آل البيت
في بغداد من سنة 1926 – 1928.
قالوا عن الثعالبى محمود
زكي باشا : (كنت من أشد الناس إعجاباً بذكائه الباهر وفصاحة لسانه ، وسعة
اطلاعه ، وغزارة علمه ، وفرط حميته الإسلامية ... وكان لا ينفك عن التكلم
باللغة العربية الفصحى).
- محمد
لطفي جمعة : (هو من أشرف البيوت وأعظمها ، وله الكلمة العليا والصوت
المسموع والأثر المحمود من أقصى تونس إلى أقصاها ، بل شمال أفريقيا كله).
- حامد
المليجي محرر جريدة البلاغ : (وفي مؤتمر القدس كان الثعالبي خطيباً
متحمساً فاستعرض التاريخ منذ ظهور الإسلام وتلألؤ قوته إلى الحالة التي وصل
إليها أهله اليوم ، ثم ناشد المجتمعين أن يعملوا لاسترجاع المكانة التي
كانت لأمتهم فقال : انسوا الماضي ولا تبكوا واعملوا وأصلحوا).
- الشاعر العراقي معروف الرصافي : (أعظم خطيب عربي عرفه هذا القرن).
- محمود
أبو الفتح في جريد السياسة المصرية 16/5/1926: (إن مكانته في تونس هي
مكانة سعد زغلول في مصر ، وإنني لا أنسى الثعالبي في باريس عام 1919 في
عاصمة فرنسا يثير الأرض والسماء على فرنسا في تحرير تونس ، يثير أحرار
الفرنسيين على سياسة الاستعباد)
وفاتة
ولقد لبّى الشيخ عبد العزيز الثعالبي
داعي ربه يوم أوّل أكتوبر 1944، فكان وقع وفاته شديدا على الوطنيين الذين
لم يغب عن أذهانهم ما قدّمه ذلك المصلح الكبير من جليل الخدمات إلى بلاده
خاصة، وما بذله طول حياته من جهود للنّهوض بالأمة الاسلامية قاطبة.