-->
U3F1ZWV6ZTk3MjM4ODc4MDVfQWN0aXZhdGlvbjExMDE1ODIzNTYyNw==
recent
أخبار ساخنة

حسان بن النعمان وإعادة فتح افريقيا

 
حضارات افريقيا

حسان بن النعمان وإعادة فتح افريقيا

تعاقب على قيادة حركة الفتح الإسلامي في الشمال الإفريقي أبطال على أعلى مستوى من الإيمان والورع وحسن القيادة والفكر الإستراتيجي الفذ، بدءًا من الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه مرورًا بعبد الله بن أبي سرح، فمعاوية بن حديج، فعقبة بن نافع، فأبو المهاجر بن دينار، فزهير بن قيس البلوي، كل هؤلاء الأبطال كان لهم أياد بيضاء ناصعة في نشر الإسلام بالشمال الإفريقي، لذلك فلا عجب أن يستشهد معظمهم في ساحات الجهاد المقدس، وأخرجت لنا أمة الإسلام ثبت أبطال يتعاقبون، كلما مضى بطل قام بطل آخر، وهذا ما حدث بالفعل على الجبهة المغربية.


عندما استشهد عقبة بن نافع وأبو المهاجر في معركة "تهوذة" ضد البربر بقيادة المرتد "كسيلة" تولى الراية بعدهما "زهير بن قيس" وكانت الأوضاع قد تردت بشدة في الشمال الإفريقي، وسقطت "القيروان" بيد "كسيلة" وانحاز المسلمون إلى "برقة"، واستطاع "زهير" أن يجمع فلول المسلمين ويوحد رايتهم ويقاتل "كسيلة" وينتصر عليه ويقتله انتقامًا من أفعاله وردته عن الإسلام، ولكن "زهيرًا" يستشهد في قتاله ضد الروم، ويتولى بعده بطلنا العظيم.


الشيخ الأمين:حسان بن النعمان الأزدي

انشغل المسلمون بأحداث داخلية خطيرة عصفت باستقرار المسلمين، وأثرت على حركة الفتح الإسلامي في الشمال الإفريقي، فلما استقرت الأوضاع واستقر في الخلافة "عبد الملك بن مروان" جعل أولى مهامه ندب الناس للجهاد بالشمال الإفريقي، والبحث عن قيادة جديدة للجبهة المغربية، وكان الرجل المختار هو "حسان بن النعمان الأزدي" الملقب بالشيخ الأمين لمكانته المرموقة بين المسلمين، وهو من كبار التابعين، وله أحاديث في الصحيح عن أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه.

يرجع أصل "حسان بن النعمان" إلى الغساسنة ملوك الشام الذين كانوا موالين للروم قبل الفتح الإسلامي، لذلك فقد نشأ "حسان" في بيت عريق في القيادة والحكم، مما رشحه دائمًا للمهام الجسيمة، وجعله دائمًا مطاعًا مهابًا من الناس، وهي صفات أساسية فيمن يتولى أي قيادة.

استراتيجية الجهاد الجديدة:

عندما ندب "عبد الملك بن مروان" القائد "حسان بن النعمان" لقيادة الجهاد بالمغرب، اتبع سياسة جديدة في آلية عمل الفتح الإسلامي بالمغرب العربي، حيث أخذ في تقييم الوضع بصورة عامة في المغرب العربي، ووضع المسلمين بصورة خاصة، ومدى انتشار الإسلام بين قبائل البربر وأسباب ردة الكثير منهم، وعندما اجتمعت كافة المعلومات عند "حسان" قرر اتباع سياسة جديدة في تثبيت وضع الإسلام والمسلمين بالمغرب.

وهي قائمة على عدة نقاط، منها:

• ضرب القيادات الرومية والبربرية، حتى لا يجتمع إليهم الأعداء.
• القضاء على نقاط القوة عند الروم، وذلك بالاستيلاء على أهم مدنهم وحصونهم.
• استمالة قبائل البربر للإسلام، بإسناد بعض المهام والقيادة لمسلمي البربر.
• القيام بإصلاحات إدارية لإعطاء الشكل الواضح لدولة الإسلام بالمغرب؛ لأن الشكل الحالي به الكثير من العشوائية والثغرات الواضحة.

معركة قرطاجنة:

بعدما أكمل "حسان" خطته وأتم استعداده وحشد جنده وقوى جيشه، وصب "عبد الملك بن مروان" أموال مصر لصالح الجهاد بالمغرب، تحرك "حسان" بجيشه الذي بلغ تعداده أربعين ألفًا، حتى وصل إلى "طرابلس المغرب" ومنها إلى القيروان، ولم يلق في الطريق مقاومة تذكر، وجعل على قيادة أجنحة الجيش عدة أبطال، منهم "هلال بن ثروان اللواثي" وهو أول بربري مسلم تسند إليه قيادة، وما كاد ينجز "حسان" استحضارات جيشه من كل الوجوه، حتى سأل عن أقوى وأحصن مدينة للروم بالمغرب، فقيل له مدينة "قرطاجنة" وهي إحدى عجائب الدنيا، ودرة روما والمدائن، وكانت شديدة التحصن، وبها جموع ضخمة من القوات الرومية، ولم يكن المسلمون قد حاربوها من قبل أو دخلوها.


نزل "حسان" بجيوشه على المدينة وضربوا عليها حصارًا شديدًا، واغتر الروم بكثرتهم وحصانة مدينتهم، فخرجوا واشتبكوا مع المسلمين في معركة كبيرة وخذلهم شيطانهم الذي زين لهم القتال، فلما ذاقوا حرَّ سيوف المسلمين، ولوا مدبرين، فريق للأندلس، وفريق لصقلية، وتفرقوا شذر مذر، ودخل المسلمون المدينة، فوجدها "حسان" عظيمة المناعة، عالية الأسوار، فقرر هدم الأسوار حتى لا تصبح نقطة تجمع للروم مرة أخرى.

أظهرت معركة "قرطاجنة" للقائد المحنك "حسان بن النعمان" أن الروم لا زالوا على شيء من القوة والكثرة في بقاع كثيرة حول "قرطاجنة" ولا تزال هناك نقاط حصنة صالحة لتجمع الروم مرة أخرى، فقرر "حسان" في خطوة تكتيكية شديدة الذكاء، مواصلة القتال على البقاع الثانوية لتجمع الروم فهجم على مدينة "صطفورة"، و"بنزرت" وأوقع بالروم هزيمة شنيعة، ولم يترك "حسان" موضعًا يصلح لتجمع الروم إلا وهجم عليه وفتحه، وبالجملة شتت قوات الروم وفرَّق فلولهم وهدَّم نقاطهم الحصينة، وقرر "حسان" العودة بجيشه إلى القيروان، ليصلح شأنه، ويداوي جراح جنوده، ويستجم قليلًا لمعاودة الجهاد، ولكن ضد البربر هذه المرة.

الكاهنة زعيمة البربر:
بعدما استراح "حسان" وجنوده من قتال الروم بقرطاجنة، سأل عن من يقود قبائل البربر الوثنية بعد مقتل "كسيلة" فقيل له: امرأة اسمها "الكاهنة" بجبل "أوراس"، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها كانت تتكهن ويأتيها الجن ببعض الأخبار، وكان لها ثلاثة أولاد ورثوا الرياسة في قبيلة "جراوة" البربرية، وكانت مهابة ومطاعة من البربر جميعًا، فاستبشر المسلمون بذلك، فعندما يكون القائد امرأة وأيضًا كاهنة، فلن يفلح أمرهم أبدًا، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.


انطلق "حسان" وجنوده لمحاربة الكاهنة والبربر، ووصلت الأخبار إلى الكاهنة، فدعت قبائل البربر لقتال المسلمين، فخرجت من جبال "أوراس" أعداد مهولة من البربر، والتقى الطرفان عند نهر "نينى" بوادي "مكناسة" واقتتلوا قتالًا شديدًا استغل فيه البربر تفوقهم العددي الكبير ضد المسلمين، فوقعت الهزيمة بقدر الله عز وجل على المسلمين، وذلك في سنة 78هـ، وانحاز المسلمون إلى "القيروان"، وسيطرت الكاهنة على معظم إفريقية، ولكنها لم تواصل القتال حتى القيروان كما فعل "كسيلة" من قبل. استخلف "حسان" على القيروان "أبا صالح" وعسكر هو وفرقة من جنوده عند منطقة متقدمة بين "القيروان" و"إفريقية" ليكون ردءًا للمسلمين، وظل معسكرًا فترة طويلة وصلت لخمس سنوات؛ وذلك انتظارًا للإمدادات القادمة من الشام بناء على أوامر الخليفة عبد الملك بن مروان.
الاسمبريد إلكترونيرسالة