الجيش فى مصر القديمة
عناصر الجيش فى عصر الإمبراطورية
كان عصر الدولة
الحديثة يختلف عن سائر العصور التاريخية التى شهدتها مصر ، إذ أصبحت مصر ذات طابع
حربى وبات للجيش ملامحه الواضحة فزادت أهميته وتضخم تكوينه ، وذلك بعد حربه ضد
الهكسوس ومطاردته لفلولهم دفاعاً عن أرض الوطن ، كما خاض الجيش فى تلك الفترة
العديد من الحملات العسكرية الكبرى التى شنها الملوك على مناطق مختلفة فى آسيا ،
وأصبح للجيش هيكله الخاص الذى يمكن تقسيمه إلى فرعين وهما الجنود والأسلحة .
أولاً : الجنود :-
نظام التجنيد :-
على الرغم من قِدم
نشأة المؤسسة العسكرية المصرية وعراقتها ، إلا أننا نجهل الكثير عن دقائق أمورها
خاصة فيما يتعلق بنظام التجنيد فى الفترات السابقة للدولة الحديثة ، أما عن عصر
الأسرة الثامنة عشرة وبعد أن أصبح الإتجاه العسكرى طبيعة سائدة فى الدولة ، أصبحت لدينا معومات حول الكيفية التى يتم من
خلالها التجنيد.
فقد تكون الجيش
المصرى خلال النصف الأول من هذه الأسرة من الجنود المصريين ، بالإضافة إلى قلة من
النوبيين الذين كانوا مجندين من قبل ، ولما كان الجيش الامبراطورى فى حاجة لمزيد
من القوى البشرية ، عمد إلى تجنيد واستخدام الجنود النوبيين والآسيويين .
أ- تدريب المجندين :-
من الواضح أن
تدريب المجندين قد حظى بعناية فائقة ، فوصل الجيش المصرى إلى مستوى رفيع ، وعلى
الأرجح كانت أولى التدريبات التى تلقاها المجندين تهدف إلى تنظيم الخطوة ومشية
الصف ، بالإضافة إلى تدريبات العدو والسباق مع الإهتمام بالمصارعة والرماية
والفروسية ، وكانت هذه التدريبات تجرى فى حاميات لا نعرف موقعها على وجه التحديد .
لكن حسب ما أشارت
إليه المصادر كانت توجد واحدة فى "طيبة" ، حيث كان يُدرب حرس الفرعون
الذين كانوا يرافقوه عند مغادرته لطيبة وذلك بترتيب من الوزير ، كما وجدت حامية
أخرى فى "منف" كانت مقر القائد الأعلى لجيوش الدولة الحديثة خلال الأسرة
الثامنة عشرة ، أما عن "الدلتا" فلا توجد بها حاميات إلا إذا تم استثناء
معاقل الحدود وحاميات المقاطعات .
ب- تقسيم الجيوش :-
استحدثت المؤسسة
العسكرية المصرية فكرة الاستخدام الاستراتيجى للقوات المسلحة ، وتعنى مجموعة
الاجراءات التى يتم اتخاذها لضمان جاهزية القوات المسلحة للقيام بالمهام المنوطة
بها ، ويعتبر أول ظهور لها فى التاريخ العسكرى والحربى عندما قُسم الجيش المحارب
إلى ألوية وأجنحة مستقلة فى حد ذاتها ، إلا أنها تعمل تحت قيادة مركزية موحدة ،
وتم ذلك على يد ملوك الأسرة الثامنة عشرة الأوائل.
وقد تشكل الجيش
ليصبح مكون من المقدمة والقلب والميمنة والميسرة ، إلى جانب عدد من العناصر
المساعدة فى المقدمة والمؤخرة ، بالإضافة إلى فرق الاستطلاع الحربى التى كانت
ترافقه ، وتذكر المصادر وجود عدد من الفيالق أو الوحدات التى كانت على الأرجح
تختلف فى ملابسها وأسلحتها ، وكل فيلق تحت حماية أحد كبار آلهة مصر
أهم فرق الجيش :-
- فرق رماة القوس :-
والتى تعتبر من
أهم فرق الجيش وكانوا يحملون الأقواس والسهام ، وهى فرقة فى غاية الخطورة ، وعلى
الرغم من ذلك فقد اشتهر المصريون بالمهارة الفائقة فى الرماية بساحات القتال ،
وكانت هذه الفرقة فى كثير من الأحيان السبب فى تحقيق النصر .
طريقة تثبيت الوتر
فى القوس و حامل القوس
- جنود العربات :-
كانوا من المصريين
أيضاً ويعتبرون أرقى درجة من المشاة ، ولم تكن هذه المهمة سهلة ، فكان لزاماً على
قائد العربة المحافظة على توازنه وتوجيه الإصابة لعدوه بدقة متناهية أثناء جرى
الخيل ، الأمر الذى يتطلب المرونة والثبات ، وفى حالة إخفاق جندى العربة فى تسديد
الضربة يعمد السائق لمساعدته ، فيقوم بلف عنان الجوادين حول وسطه ويبدأ فى النزال
.
عربة حربية
وتشير المصادر إلى
أن أقرب تمثيل للخيول يعود لعهد "تحتمس الأول" ، بينما ترى مصادر أخرى
أن هذا السلاح يعود لعهد "تحتمس الثالث" إلا أن ظهور الرتب العسكرية
الخاصة به تعود لأيام "أمنحتب الثالث" مثل "حامل لواء مقاتلوا
العربات الحربية".
ولم تكن الخيول
تستخدم فى الركوب إلا نادراً ، وإنما كان يتم الاعتماد عليها فى جر العربات
الحربية التى عُدت بالآلاف ، فقد ذكرت المصادر أن مدينة "طيبة" وحدها
حوت مايقرب من ألف عربة حربية.
فارس مصرى
ويرى البعض أن هذا
السلاح دخل مصر مع مجىء الهكسوس ولم يكن المصرى قد عرف هذا الحيوان أو استخدم
العربة ، فأطلق عليها اسم "سامى" أو لفظة "مركبوتى" وتعنى
"مركبة" .
من ناحية أخرى فإن
بعض المؤرخين يعتقدون بأن الهكسوس لم يستخدموا العجلة الحربية إلا فى أواسط حكمهم
لمصر ، وإن صح هذا الاعتقاد فذلك يعنى أن العجلة الحربية ابتكار مصر ، وأن الهكسوس
هم من تعلموا استخدام هذا السلاح من المصريين
.
- الحرس الملكى :-
كان يحيط بعربة
الفرعون ، ومن المحتمل أنه قد تم تكوينه من رجال أتوا إلى مصر من جهة البحر
ليرتزقوا من خدمتهم فى الجيش ، وكانوا يضعون على رأسهم الخوذ المعدنية ذات القرون
، ويلفون حول صدورهم الدروع القوية ، ويمسكون السيوف الطويلة .
- الجند المرتزقة :-
كانوا يسيرون خلف
تلك الفرق ، وهم فرق سودانية وضعوا على أجسادهم جلود الحيوانات المفترسة ، كما وجد
أيضاً فى مؤخرة الجيش جنود ليبيين من البدو .
- الفرق الكشفية :-
كانت الفرق الكشفية
أو الاستطلاعية تسبق جميع الفرق أثناء المعارك والحروب ، حيث كانت تتجسس على العدو
وتمد الجيش بالأخبار .
إلى جانب تلك
الفرق التى تكون منها الجيش خلال عصر الإمبراطورية كان للملك حارسه الخاص وهو أغرب
حارس فى العالم القديم والحديث ، حيث كان أسد مستأنس تم تدريبه لخدمة سيده والدفاع
عنه فى حالة هجوم العدو عليه.
بالإضافة إلى ذلك
ضم الجيش عدد من العناصر الأخرى من بينها :-
- جندى الميدان :-
والذى كان يتم
اقتراعه من بين طائفتين من الشعب ، الأولى أبناء الجنود القدامى والذين كان لزاماً
عليهم أن يحلوا محل أبائهم أحياناً ، والطائفة الثانية هم أولئك الذين يجندون من
بين الشباب الذين قضوا فترة طفولتهم فى البلاط الفرعونى ، وتلقوا العلم مع أمراء
البيت المالك ، و نشأت بينهم وبين الفرعون علاقة شخصية .
- القوات الخاصة :-
وكان أفراد هذه
الفرقة يتميزون بصغر السن ، كما كانوا يتلقون تدريبات معينة تؤهلهم لخوض المعارك
الحاسمة .
وامتازت كل سرية
من سرايا الجيش المختلفة بلوائها الخاص الذى ينم عنها ، وكان يعلوا هذا اللواء رمز
يصور حيوان كاسر أو غير كاسر ، أو يصور جنديان يتصارعان أو صورة لمعبود ، تبعاً
لاختلاف تكوين السرية ، إلى جانب ذلك تلقبت كل منها باسم خاص قد يُنسب إلى فرعون
أو معبود مشهور ، وكانت هذه السرايا متبوعة فى عصر الدولة الحديثة بكتائب كبيرة من
المشاة والخيالة
وكان الفرعون هو
الرئيس الأعلى لكل هذه القوات ، حيث كان لا يعين قائدا بدلاً منه إلا نادراً ، ولا
يحدث ذلك إلا فى الحملات الصغيرة ، فكان يتم تعيين نائب الملك وفى الغالب كان ابنه
، وهذه العادة متبعة منذ عهد الدولة الوسطى .
ج- امتيازات الجنود :-
أقبل المصريون على
الانخراط فى سلك الجندية لما كانوا ينالونه من شرف وفخر ، إلى جانب المكاسب
المادية التى كانوا يحصلون عليها فى حالة انتصارهم ، وعلى هذا أمكن تقسيم أنواع
الامتيازات إلى الامتيازات المادية والامتيازات المعنوية .
1) الامتيازات المادية :-
عقب تأسيس
الامبراطورية بدأ الشروع فى استدعاء جنود محترفين للالتحاق بالمؤسسة العسكرية ،
وأصبح فى الامكان رؤية جيش منظم بصفة مستمرة ، وتبوأ رجال الجيش مكانة اجتماعية
ممتازة ، فكان الضباط الذين يظهرون شجاعة وإقدام فى ميدان القتال تتم مكافئتهم
بهدايا من الذهب والأراضى والأرقاء ، أو يُمنحوا وظائف مريحة فى السلك المدنى .
كما أن من يأتى من
الجنود بضروب الشجاعة فى ساحة المعركة ويلفت نظر الفرعون ، يحصل على مكافأة وتوهب
له مشابك ذهب وفئوس وخناجر وأساور ونياشين فى صورة ذباب أسود .
شارات الذباب
الذهبية الممنوحة للجنود الشجعان
2) الامتيازات المعنوية :-
تشير المصادر إلى
نشأة علاقة مباشرة بين الفرعون والضباط العسكريين ، ويبدو ذلك واضحاً فى تفاصيل
مجلس الحرب الذى عُقد فى عهد "تحتمس الثالث" مع ضباطه قبل موقعة
"مجدو" ، وأدت تلك العلاقة دورها المنشود فى تقوية الروح المعنوية
للعسكريين ، وترسيخ الاحساس بالذات وبأهمية أفراد هذه الطبقة ، فكان الفرعون أيضا يقوم بمنح رجاله
المتميزيين برجاحة العقل وحسن التدبير عدة ألقاب ، منها لقب "المحارب
القديم" ولقب "شجاع الفرعون".
المصادر
محمد أبو المحاسن عصفور : حضارات الشرق
الأدنى القديم
أحمد قدرى : المؤسسة العسكرية المصرية فى عصر الإمبراطورية
محمد بيومى مهران :
الحضارة المصرية القديمة
مهاب درويش : السلم والحرب فى مصر القديمة
دومينيك فالبيل : الناس والحياة فى مصر القديمة