توابع الفتح العربى المبارك لبلاد المغرب
كان الفتح العربي المبارك لبلاد المغرب فاتحة خير لأوروبا، فقد مهد هذا الفتح الطريق امام الجيوش العربية الزاحفة من المشرق الغربي والمتجة نحو غرب القارة الاوروبية، فشهدت بلاد الاندلس كثيراً من المعارك والحملات التي قادها نفر من خيرة قادة الاسلام العظماء .
من هؤلاء القادة القائد العربي المسلم موسي بن نصير حاكم مدينة القيروان، عاصمة الدولة الاسلامية في بلاد المغرب، والفارس المسلم الشجاع طارق بن زياد الذي تولي حكم مدينة طنجة بعد فتحها علي يد قائده موسي بن نصير واسلام اهلها من البربر، وكان طارق بالاضافة الي ذلك قائداً من ابرع قواد موسي بن نصير، وكانت مدينة سبته التابعة لحكم امبراطور القسطنطينية مجاوزة لمدينةطنجة المغربية، وكانت مدينة سبته هي التي تفصل بلاد المغرب عن بلاد الاندلس، وكان يحكمها حاكم تابع لإمبراطور القسطنطينية هو بوليان، ولكنه كان يبدي طاعته وولاءه ل ( لذريق ) حاكم بلاد الاندلس نظراً لقربه منه بدلاً من طاعته وولائه لإمبراطور القسطنطينية التابع له .
ويعلم القائد طارق بن زياد بفطنته وذكائه ن جاره بوليان حاكم مدينة سبته برغم تظاهره بإبداء الطاعة والولاء للملك لذريق إنه يكن له حقداً دنيئاً وينتظر بفارغ الصبر قدوم اليوم الذي سيثأر فيه من الملك حاكم بلاد الاندلس، ويرجع سبب الحقد الي ان بوليان قد ارسل ابنته الجميلة فلورندا لتطلب العلم في بلاد لذريق فأعجب بها واعتدي عليها .
وينتهز طارق فرصة الخلاف بين بوليان ولذريق فيسارع بعقد صلح مع جاره بوليان ثم يوطد علاقته به فيصحان صدقين حميمين، ويعلم يوليان من طارق ان العرب يرغبو في مد نفوذهم داخل أوروبا، لنشر الدين الاسلامي هناك فينتهزها يوليان فرصة للنيل من عدوه لذريق حاكم بلاد الاندلس وعندما يجد يوليان استجابة من طارق لمد الفتح الي بلاد الاندلس، يعرض علي طارق مساعدته في الفتح بأن يمده بالسفن اللازمة لعبور البحر ونقل الجنود المسلمين الي شواطئ الاندلس .
يفرح طارق بهذا العرض فرحاً عظيماً يذهب الي قائده موسي بن نصير طالباً منه الاذن بفتح بلاد الاندلس فيأذن له ويزوده بجيش قوامه سبعة آلاف من الجنود المسلمين، معظمهم من البرر الذين دخلوا في الاسلام بعد الفتح العربي لبلاد المغرب، وهكذا يعبر طارق مع جنوده الي الجبل الذي يعرف حتي اليوم باسم جبل طارق، وبذلك يضع العرب أقدامهم لأول مرة في بلاد الأندلس .. ويصدر طارق اوامره الي قواد جيشه بإحراق جميع السفن والمراكب التي عبروا فيها حتي لا يفكر أحد من جنوده في الفرار او التراجع او الانسحاب من ميدان القتال، فيقبلون علي قتال عدوهم وليس امامهم سوي الاستبسال في القتال لتحقيق النصر او الشهادة في سبيل نشر دين الله ورفع راية الاسلام فوق ربوع اسبانيا .
وبعد أن ان عبأ طارق جنوده بالحماس والايمان، قادهم الي قرية قرطاجة فتصدي لهم جنود الاندلس، فاشتبك معهم جنود الاسلام واشتد القتال بين الفريقين .. وبرغم قلة عدد جنود طارق وضآلة تسليحهم فقد تمكنوا من هريمة جنود الاندلس وانتزعوا منهم غنائم كثيرة، وتصل الاخبار بسرعة الي لذريق ملك الاسبان الذي كان في هذا الوقت في العاصمة طليطلة يعد العدة للقاء جيش طارق، ويصدر أوامره الي جيشه المكون من خمسين الفاً بسرعة التحرك لمقابلة جنود الاسلام خارج العاصمة طليطلة، وفي نفس الوقت تصل امدادات لجيش طارق من قائده موسي بن نصير استعداداً لهذا اللقاء المرتقب بين جنود لذريق وجنود طارق .
وتتراءى علي البعد جموع جيش لذريق وهي تزحف بأعدادها المهولة، فيدب الخوف والفزع في نفوس جنود طارق فلما رأي طارق ذلك سارع يبث الطمأنينة والحماس في قلوبهم، وقال كلمته الحاسمة الشهيرة : ” ايها الناس، اين المفر، العدو امامكم والبحر من خلفكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر ” فيستعدون الجنود الي لقاء عدوهم بقلوب يملؤها الايمان والرغبة في تحقيق النصر، وعلي الجانب الآخر يري لذريق طلائع جيش الاسلام علي البعد، فيرسل رجاله للتجسس فيقولون له : لقد جاء من جنود الاسلام من لا يريد الا الموت او اصابة ما تحت قدميك، فيعجب لذريق مما سمعة من جواسيسه ويظن انهم يبالغون في تقدير مدي الروح المعنوية العالية لجيش المسلمين واستعداهم للقتال، و عند مكان في اسبانيا يسمي وادي لكة علي شاطئ بجيرة جاندا تقابل الجيشان ، واستعد كل منهما لقتال الآخر .
قسم طارق جنوده علي هيئة صفوف متراصة، وكان جنود الاسلام يتميزون بالملابس العربية والعمائم البيضاء، وقسم لذريق جنوده علي هيئة كراديس تتكون من ميمنة وميسرة وقلب وكان لذريق هو قائد قلب الجيش، بينما جعل علي كل من الميمنة والميسرة قائداً من ابرز قواده، وكان لذريق يجلس فوق سرير ملكه بين جنوده، وعليه تاج وقد ارتدي قفازه بينما يمتد فوق رأسه رواق من حرير يحميه من حرارة الشمس، وحوله البنود والاعلام وبين يديه حراس مدججون بالسلاح، وكانت ثيابه مرصعة بالياقوت والدر كما ان خفه كان مصنوعاً من الياف الذهب وكأنه ذاهب في رحلة او نزهه، علي العكس من ذلك كان طارق ينطلق بفرس بين جنوده ليحمسهم علي قتال عدوهم .
وأخيراً، اتحم الجيشان ودار بينهما القتال عنيفاً حتي ظن كل من الفريقين انه الفناء، وكان جنود طارق هم الذين بدءوا الهجوم وهم الذين استمروا في هجماتهم المستمرة علي جنود لذريق، انقضوا علي الميمنة والميسرة فهزموها وفرقوها، ثم ثبت القلب قليلاً وبه لذريق محمولاً فوق سرير ملكه ولكنه ما لبث ان هزم وتقهقر، فنزل عن سرير ملكه وامتطي جواده الاشهب للدفاع عن نفسه بعد ان قتل حراسه، ولما ادرك لذريق هزيمة جيشه وانه لا نجاه له إلا بالفرار من المعركة، قاد جواده بعيداً وفي نفس اللحظة التي حاول فيها لذريق الفرار ، لمحه احد الفرسان المسلمين فأسرع خلفه .
ودارت مبارزة عنيفة بين لذريق والفارس المسلم، وكاد الفارس المسلم ان يتغلب عليه ويقتله ولكن لذريق غافله وفر بجواده تجاة نهر صغير، اندفع الفارس المسلم خلف لذريق محاولاً اسره لكن جواده قد اندفع الي منطقة موحلة بالطين وهكذا خاصت قوائم الجواد في الوحل فلم يستطع ان يتقدم خطوة واحدة، يلاحظ لذريق ان الفارس المسلم جاد في اسره والظفر به، فيندفع الي الماء ويغوص فيجرفه تيار النهر ويغرق بينهما يعثر الفارس المسلم علي جواد لذريق وفردة من حذائه الذهبي .
وبهذا الفتح المبين خضعت بلاد الاندلس كلها الي حكم العرب المسلمين ثمانية قرون كانت سبباً في ازدهار اسبانيا وازدهار اوروبا بالحضارة العربية الاسلامية، وظلت العاصمة طليطلة تشع نور الاسلام علي كل ما حولها من المدن والبقاع طوال ثمانية قرون هي مدة حكم المسلمين لبلاد الاندلس .