موقف جرئ للقذافى
بعد ثلاثة أشهر فقط من إنقلاب سبتمبر 1969 فى ليبيا شارك العقيد معمر القذافى مؤتمر القمة العربى بالرباط لبحث أحوال وأزمات العالم العربى وإزالة آثار عدوان 1967.
ووسط جو مشحون بالتوترات والتحفظات من بعض دول الخليج بسبب الإنقلاب الليبى الذى أسقط نظاماً ملكياً جاء -وفقاً للتقاليد فى القصر المغربى- مولاى عبدالحفيظ يقبل يد أحد الملوك الداخلين من باب القاعة.
وإذا بمعمر القذافى يصيح بأعلى صوته:
- ما هذا؟ تقبيل أيادى؟ عدنا إلى عصر العبودية.. لا لا.. هذا شيء مرفوض تماماً!!
ولفتت الأزمة كل الملوك والرؤساء الذين توقفوا عند باب القاعة قبل أن يتم تدارك الأمر برمته وكأنه لم يكن.
عقب إنتهاء كلمة الملك الحسن الإفتتاحية، تم الإنتقال إلى إقرار جدول الأعمال.. لكن ساد الجلسة شعور بالقلق بعد تدخل معمر القذافى لإبداء ملاحظاته، وراح خلال كلمته يخاطب ملك المغرب بعبارة: يا حسن!
كما راح يخاطب ملك السعودية بعبارة: يا فيصل!
فكتب ملك المغرب رسالة من سطر واحد أرسلها حيث يجلس جمال عبدالناصر ليتدخل حيث كتب:
فخامة الرئيس.. ألا تساعدنا لوضع ضوابط عاجلة على تصرفات أخينا الليبى؟!
وتصور عبدالناصر أنه يستطيع الحديث مع القذافى بعد انتهاء الجلسة، لكنها بضع دقائق وأبدى القذافى تعليقاً على مداخلة قام بها الملك فيصل حيث قال له:
- يا فيصل اتق الله.. اتق الله يا شيخ!!
وبعد دقائق قليلة نهض الملك فيصل بهدوء خارجاً من القاعة.
ولم يجد الملك الحسن إلا أن يرفع الجلسة لإستراحة قصيرة.
أثناء الاستراحة أقنعه عبدالناصر على ضرورة ضبط قواعد السلوك فى حضرة الملوك، وبرغم عدم اقتناع القذافى إلا أنه قال أنه سوف يغلق فمه من الأساس لأن ما يراه حتى الآن من المؤتمر عبث لا فائدة منه إلا الضحك على العقول!!
ولم تمض بضع دقائق حتى كان القذافى قد نسى تعهده!
فخلال نفس الإستراحة جلس القذافى بجوار محمد حسنين هيكل فى أحد الممرات المؤدية إلى قاعة الاجتماعات، وأثناء حديثه معه مر ضابط عسكرى مغربى تغطى صدره نياشين تكريم كثيرة.. فسأل القذافى هيكل عمن يكون هذا الشخص؟
فقال هيكل: هذا الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية المغربى.
ففتح القذافى فمه وعينيه من الدهشة وسأل:
- أليس هذا هو الرجل الذى خطف بن بركة؟!! (بن بركة زعيم مغربى شهير أنشأ تحالف قوى شعبية فى المغرب، وقد جرى خطفه وقتله فى فرنسا، وتم اتهام المخابرات المغربية علناً بتدبير مقتله).
فقال هيكل هامساً: نعم هو (متهم) بقتله.
فصاح القذافى:
- لا ليس متهماً.. إنه فعلها ولذلك فهو مجرم
ولم يضيع القذافى وقتاً ونهض واقفاً يصيح:
- إقبضوا على هذا الرجل.. ما الذى جاء به معنا؟ هذا قاتل. مكانه السجن وليس هنا.
وحاول الحاضرون تهدئته، وذهب الملك الحسن إلى لقاء مغلق بعبدالناصر ليضبط أعصاب القذافى بحكم مكانة عبدالناصر الخاصة لدى القذافى.
والذى أنقذ الموقف وقتها هو العقيد معمر نفسه!
حيث أعلن الإمتناع عن حضور الجلسات لأنه لم يعد مقتنعاً بشئ مما يسمع أو يرى.
المصادر
من مقال: حوارات مع القذافى لمحمد حسنين هيكل مجلة وجهات نظر عدد مايو 1999، تم جمعه فى كتاب كلام فى السياسة.