مصر القديمة في كتابات مؤرخي العصور الوسطى - عبد اللطيف البغدادي
مصـر القديمـة في كتاب «عبد اللطيف البغدادي»، ومنهجه:من الفصل الرابع المعنون «في اقتصاص ما شوهد من آثارها القديمة» في كتابه سالف الذكر (والذي يشغل 16 صفحة، تحمل الترقيم من رقم "23" إلى رقم "38")،
زيارات عبداللطيف البغدادى للمدن المصرية القديمة
يتضح لنا أن «عبد اللطيف البغدادي» زار عدة مدن مصرية قديمة، وجال مقتفياً آثار الأقدمين فيها(مثل:
1. مدينة عين شمس وسورها المتهدم وبوابتها ومسلتيها الكبيرتبن ومسلاتها الصغيرة بالإضافة إلى تماثيلها الضخمة،
2. والإسكندرية بمسلتيها وعمود سواريها وكذلك مئات الأعمدة المكسورة التي تقع خارج أسوار المدينة وأخيراً منارها بمقاييسه وجودة تحنيط مومياواتها،
3. منف ومعابدها وتماثيلها الضخمة،
4. ثم ينتهي بالإشارة إلى معابد الصعيد الشهيرة الغنية عن الوصف)،
ساعياً كذلك إلى بقاياهم ومخلفاتهم في جباناتها المختلفة (هضبة الجيزة بأهراماتها ومقابرها وتمثال أبو الهول الشهير، أبوصير مشيراً لأهرامها وناسباً إليها أثار جارتها الجنوبية الملاصقة لها سقارة التي تنوعت بها أنواع المقابر التي كان يُزحف إليها)، م
ما أهّله للتحدث عن تلك المدن وعرض تاريخها ووصف آثارها وجباناتها.
منهج البغدادى فى وصف اثار مصر القديمة
ويبدأ الفصل، موضحاً منهجه في تناول آثار مصر القديمة، بذكره:’أمـا مـا يوجـد بمصـر من الآثـار القديمـة، فشـيء لـم أر ولـم أسـمع بمثلـه في غيرهـا، فاقتصـر على أعجـب ما شـاهدته‘ .
ويُمكن لي إجمال وإيجاز (منهج) «عبد اللطيف البغدادي» في التعامل مع مسألة آثار مصر القديمة، في ثلاثة ركائز ومحاور، هي كالتالي:
1- فعـل ذاتـي، يعتمد على شقين: أولهما التحقيق الميداني، وثانيهما إعمال القياس العقلي والفكر والتحليل والخروج بآراء شخصية واتجاهات فكرية ومبادئ كلية.
يتبيّن لنا ذلك في استخدامه عدّة مفردات وأفعال وصيغ، مثل:
- "وجدنـا"، "رأيـت" ، "شاهـدت" ، ’أرانـي بائعـه‘ ، "وجـدت" ، (وتدل على تقرير معلومة من خلال كونه شاهد عيان).
- "وقد حققنا القول في ذلك في مقالاننا عليهم" ، "اشتريت" ، "استقريب ... فلم أجد" ، "سألت" ، "قسناه .... فوجدناه" ، "لم أجد لها ذكراً في التوراة ... ولا رأيت أرسطو ذكرها ...." (وكلها أفعال وجمل تدل على بحثه واستقصائه الحقيقة والتأكد منها، والتحقق من سلامة فرضية ما من عدمها).
- "وإياها عنى بقوله تعالى عن موسى ... وبقوله ...." ، "وإذا رأي اللبيب ...." ، "وأقول أن..." ، "ولا شك أن .... فلذلك ...." ، "وإتخـاذ .... لهـذا قـال ..." (مما يدل على إعماله العقل، ومحاولة تفسيره وربطه الأمور المتباعدة، وإبدائه الرأي الشخصي حول بعض المسأل الغامضة أو المختلف عليها).
ومصداقاً على ذلك:
أنه بعد فحصه ومقارنته أبدى إعجابه بروعة فن النحت المصري وإتقان نسبه وتوازنها ودقة عمارته وجودته . كما ذهب إلى الاعتقاد بضرورة الحفاظ على الآثار، تخليداً للتاريخ، وعبرةً للمعتبرين، وتأكيداً لما جاء بالكُتب المنزّلة، وأهم من ذلك كله انتفاعاً بشتى علوم الأقدمين وإنجازاتهم ، ولهذا انتقد وهاجم بشدة مُدمري الآثار من الباحثين عن الكنوز ، ومن بين ما يوضح اتجاهه هذا قوله: ’... يجلبه أهل الريف إلى المدينة ويُباع بالشيء النزر‘، أي رخص أثمان الآثار وعلى رأسها المومياوت وما يوجد بجوفها لدرجة أنه هو ذاته يذكر ’لقد اشتريت ثلاثة ... منه بنصف درهم مصري‘ .
2- التوثيق بالمصادر الكلاسيكية لأعلام الإغريق والرومان: فبالإضافة إلى المعاينة الميدانية، اعتمد على المصادر المدوّنة الشهيرة في عصره، وبخاصة لأمثال: "أرسطو"، "جالينوس"، "أبقراط"، و"إسكندر الأفروديسي". وذلك بعدما نُقلت تلك المصادر إلى اللغة العربية إبان حركة الترجمة التي بدأت بتدعيم من خلفاء وأمراء بني أُمية ومن بعدهم العباسيين .
- ويتضح ذلك من قوله: ’المُسّاح ذكروا أن ...‘ ، ’ذكر أرسطوا طاليس في ... أن ...‘ (حيث أورد له «كتاب الحيوان»، وتحديداً المقالة الحادية عشرة منه) ، و ’كُتب ... جالينوس وغيره‘ (ومنها كتبه: «التشريح»، «عمل التشريح»، و«منافع الأعضاء»، وتعليقه على «كتاب شرح الأهوية والبلدان لـ[أ]بقراط») ، و ’للإسكندر الأفروذيسي تاريخ صغير ذكر فيه ...‘ .
3- اسـتناده إلى الروايـات الشـفهية الموثوقة (قديمها وحديثها)، من المتواتر عن الأقدمين وآثارهم، أو قصص اكتشاف معاصريه لبعضها وما حوته من أحداث وتفاصيل هامة.
- نتبين ذلك في استخدامه مفردات وجمل، مثل: ’خبرني الثقة‘ ، ’حدثني آخر‘ ، و ’حكي لي الأمير الصادق الوالي)‘ ، ’خبرني <بعض> قضاة [أ]بوصير‘ ، و ’سألت مشـايخ [أ]بوصير‘
المصادر
دكتور باسم سمير الشرقاوي، ’مصـر القديمـة في كتاب «عبد اللطيف البغدادي»:
«الإفـادة والاعتبـار» (قـراءة أثريـة-منهجيـة)‘، رؤى تاريخية حرة، مقالات
غير دورية، مجلة المقتطف المصري التاريخية، (18 يوليو 2010).